الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: البيان والتبيين **
الجزء الثاني بسم اللَّه الرحمن الرحيم الحمد للّه وسلام على عباده الذين اصطفى باب اللحن حدَّثنا عَثَّامٌ أبو علي عن الأعمش عن عُمارة بن عُمير قال: كان أبو معمر يحدِّثنا فيلحن يتْبع ما سَمِع أبو الحسن قال: أوفد زيادٌ عبيدَ اللَّه بنَ زيادٍ إلى معاوية فكتب إليه معاوية: إنَّ ابنَك كما وصفت ولكنْ قوِّمْ من لسانه وكانت في عُبيد اللَّه لُكنةٌ لأنه كان نشأ بالأساورة مع أُمِّه مَرجانة وكان زيادٌ قد زَوَّجَها من شِيرَويه الأُسواريّ وكان قال مَرَّة: افتحوا سيوفكم يريد: سُلّوا سيوفكم فقال يزيد بن مفرِّغ: ويومَ فتحتَ سيفَك مِن بعيدٍ أضَعْتَ وكلُّ أمرِك للضَّياعِ ولما كلَّمه سُويد بن مَنجوف في الهَثْهات بن ثَور وقال له: يا ابن البَضْراء قال له سُويد: كذبت على نساءِ بني سَدُوس قال: اجلس على استِ الأرض قال سويد: ما كنت أَحسِب أنّ للأرض استاً قالوا: وقال بِشْر بن مروان وعندُه عُمَر بن عبد العزيز لغلامٍ له: ادْعُ لي صالحاً فقال الغلام: يا صالحاً فقال له بشر: ألقِ منها أَلِفْ قال له عُمَر: وأنت فزِدْ في أَلِفِك أَلِفاً وزعم يزيدُ مولى ابن عون قال: كان رجلٌ بالبصرة له جاريةٌ تسمَّى ظَمياء فكان إذا دعاها قال: يا ضَمياء بالضاد فقال ابنُ المقفَّع: قل: يا ظَمياء فناداها: يا ضَمياء فلمّا غيّر عليه ابنُ المقفَّع مرَّتين أو ثلاثاً قال له: هي جاريتي أو جاريتك قال نصر بن سيار: لا تُسمِّ غلامَك إلاّ باسم يخفُّ على لسانك وكان مُحمَّد بن الجهم ولَّى المكّيَّ صاحبَ النّظَّام مَوضِعاً من مواضع كَسكر وكان المكيُّ لايحسن أن يسمّيَ ذلك المكان ولا يتهجّاه ولا يكتبه وكان اسم ذلك الموضع شَانَمَثْنَا وقيل لأبي حنيفة: ماتقول في رجلٍ أخذ صخرةً فضرب بها رأسَ رجلٍ فقتله أتُقِيدُه به قال: لا ولو ضَرَب رأسَه بأبا قُبيس وقال يوسف بن خالد السّمْتيّ لعمرو بن عُبيد: ما تقول في دَجاجة ذبحت من قفائها قال له عَمرو: أحْسِنْ قال: مِن قفاؤُها قال: أحسِنْ قال: من قفاءَها قال عمر: ما عنّاك بهذا قُلْ: مِن قَفاها واستَرِحْ قال: وسمعت من يوسف بن خالد يقول: لا حَتَّى يشِجَّهُ بكسر الشين يريد: حتّى يشُجّه بضم الشين وكان يوسف يقول: هذا أحَمرُ من هذا يريد: هذا أشدُّ حمرة من هذا وقال بِشْرٌ المريسيّ: قَضى اللَّه لك الحوائجَ على أحسن الوجوه وأهنَؤُها فقال قاسمٌ التَّمَّار: هذا على قوله: من المنسرح إنَّ سُلَيَمى واللَّهُ يكلؤُها ضَنَّتْ بشَيءٍ ما كان يرزؤُها فصار احتجاجُ قاسمٍ أطيَبَ من لحن بِشر وقال مُسلِم بن سَلاَّم: حدَّثَني أَبان بن عثمان قال: كان زيادٌ النَّبَطيّ أخو حسَّان النبطيّ شديدَ اللُّكْنة وكان نحويّاً قال: وكان بخيلاً ودعا غلامَه ثلاثاً فلما أجابه قال: فَمِنْ لَدُنْ دأَوْتُك إلى أنْ قلت لَبَّىْ ما كنت تَصْنأ يريد: مِن لدُن دعَوتُك إلى أنْ أجبتني ما كنت تصنع قال: وكانت أمُّ نوحٍ وبلالٍ ابنَيْ جريرٍ أعجميّة فقالا لها: لا تَكَلَّمِي إذا كان عندنا رجال فقالت يوماً: يا نُوح جُرْدان دخَل في عِجان أمّك وكان الجرُذ أكل من عجينها قال أبو الحسن: أُهدِيَ إلى فيلٍ مولى زياد حمارُ وحش فقال لزياد: أهْدوا لنا هِمارَ وهْش قال: أيَّ شيء تقول ويلك قال: أهدوا إلينا أيراً - يريد عَيراً - قال زياد: الثّاني إن يكُ زيدٌ فصيحَ اللسانِ خطيباً فإنَّ استهُ تَلحنُ عليك بسُكٍّ ورُمَّانةٍ ومِلْحٍ يُدَقُّ ولا يُطحنُ وحِلْتيتِ كَرْمَانَ والنّانخاهِ وشمع يُسخَّن في مُدْهُنِ وهذا الشّعر في بعض معانيه يشبه قول ابن مُناذر: من الهزج إذا أنتَ تعلَّقتَ بحبلٍ من أبي الصَّلْتِ تعلّقْتَ بحبلٍ وا - هِنِ القُوَّةِ مُنْبَتِّ فخُذْ من شِعر كَيسانٍ ومن أظفار سُبُّخْتِ ألم يبلغْك تَسآلي لدى العَلاَّمة البِرْتِ وقال المرءُ ما سَرْجُو - يَه داءُ المرء من تحتِ وقال البَرْدُخْت: من الطويل لقد كان في عينيك يا حفصُ شاغلٌ وأنْفٍ كثِيل العَوْد عَمّا تَتَبَّعُ تَتَبَّعُ لحناً في كلامٍ مُرقّش وخَلْقُك مبنيٌّ على اللّحن أَجْمَعُ فعينُك إقواءٌ وأنفُك مُكْفَأٌ ووجهك إيطاءٌ فأنت مُرَقّعُ عليّ بن معاذٍ قال: كتبتُ إلى فتىً كتاباً فأجابني فإذا عُنوان كتابه: إلى ذاك الذي كَتَب إليّ وقرأت على عنوان كتابٍ إلى أبي أميَّةَ الشِّمَّريّ: لأبي أميّة لِلمَوتِ أنا قبلَه وكتب ابن المراكبي إلى بعض ملوك بغداد: جُعِلْتُ فداكَ برحمتِه وقال إبراهيم بن سَيَابَة: أنا لا أقول مِتُّ قبلَك لأني إذا قلتُ متُّ قبلَك مات هو بعدي ولكن أقول مِتّ بَدَلَك وكتبَ عِقَالُ بن شَبَّة بن عِقَالٍ إلى المسيّب بن زهيرِ: من الخفيف للأمير المُسَيَّب بن زهير مِن عقَالِ بن شبّة بن عقَالِ ولما كتب بشير بن عُبيد اللَّه على خاتَمه: من الهزج بَشير بنُ عبيد اللّ - هِ بالرحمن لا يشرِكْ وقرأ أبوه هذا البيتَ على خاتمه قال: هذا أقبح من الشِّرك وقال عبد الملك بن مروان: اللَّحن هُجْنَةٌ على الشَّريف والعُجْب آفة الرّأي وكان يقال: اللَّحن في المنطق أقبح من آثار الجُدَريّ في الوجهِ وقال يحيى بنُ نَوفل في خالد بن عبد اللّه القَسرِيّ: من البسيط وألحنُ الناسِ كلِّ الناس قاطبةً وكان يولعُ بالتشديق في الخطَبِِ وزعم المدائنيّ أن خالد بن عبد اللَّه قال: إن كنتم رجبيُّون فإنا رمضانيّون ولولا أن تلك العجائب قد صحَّت عن الوليد ما جوّزتُ هذا على خالد قال: وكتب الحُصين بن أبي الحُرِّ إلى عُمرَ كتاباً فلحن في حرفٍ منه فكتب إليه عمر: أن قنِّعْ كاتبَك سَوطاً وبلغني عن كُثيِّر بن أحمد بن زُهير بن كثير بن سيَّار أنه كان ينشد بيت أبي دُلَفَ: مجزوء والرمل ألبِسيني الدِّرع قد طا - ل عن الحَرْب جَمَامي فسألتُه عن ذلك فحلف أنَّه إنّما قال: ألبسيني الدِّرع قد طا - ل عن الحرب جُمامي قال اللَّه تبارك وتعالى: " وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ " محمد: 30 واللحن في هذا الموضع غير اللّحن في ذلك وكان سليمان بن عبد الملك يقول: المغيرة بن عبد الرحمن بن الحارثِ يفخّم اللحن كما يفخِّم نافع بن جُبَير الإعرابِ وقال الشاعر في نحو ذلك: من الطويل لَعمرِي لقد قَعَّبتَ حين لقيتَنا وأنت بتقعيب الكلام جديرُ وقال خلفٌ الأحمرُ: من المتقارب وفَرقَعهنَّ بتَقْعِيبِه كفرقعة الرَّعدِ بين السّحابِِ وقال الأصمعيّ: خاصمَ عيسى بن عُمر النحويّ الثقفيّ رجلاً إلى بلال بن أبي بردة فجعل عيسى يتَتَبَّع الإعراب وجعل الرجلُ ينظر إليه فقال له بلال: لأن يذهب بعضُ حقِّ هذا أحبُّ إليه من تَرك الإعراب فلا تتشاغَلْ به واقصِد لحجَّتك وقدَّم رجلٌ من النحويّين رجلاً إلى السلطان في دَينٍ له عليه فقال: أصلح اللَّه الأمير لي عليه درهمانِ فقال خصمه: لا واللّه أيُّها الأمير إن هي إلاّ ثلاثة دراهم ولكن لظهور الإعراب تركَ من حقِّه درْهماً قال: خاصم رجلٌ إلى الشّعبي أو إلى شُريح رجلاً فقال: إنَّ هذا باعني غلاماً فصيحاً صَبيحاً قال: هذا محمد بن عمير بن عُطارد بن حاجب بن زُرارة قال: مرَّ ماسَرجُويَه الطبيب بجدّ معاذ بن سعيد بن حُميد الحميريّ فقال: يا ما سَرجُويه إني أجد في حلقي بَحَحاً قال: إنه عملُ بُلْغُم فلما جازَه قال: أنا أُحْسِنُ أن أقول بَلْغَمٌ ولكنه كلّمني بالعربيّة فكلّمتُه بالعربيَّة وروَى أبو الحسن أنّ الحجاج كان يقرأ: إنّا من المجرمون منتقمون وقد زَعم رؤبةُ بن العجّاج وأبو عمرو بن العلاء أنهما لم يريا قَرَويَّينِ أفصحَ من الحسن والحجَّاج وغَلِط الحسن في حرفين من القرآن مثل قوله: ص والقرآنُ والحرف الآخر: وما تنزّلَتْ به الشّياطُون أبو الحسن قال: كان سابقٌ الأعمى يقرأ: الخالقُ البارئُ المُصَوَّرُ فكان ابن جابان إذا لقيه قال: يا سابق ما فعل الحرف الذي تُشرك باللَّه فيه قال: وقرأ: ولا تَنْكِحُوا المشركين حتى يؤمنوا قال ابن جابان: وإن آمنوا أيضاً لم نَنْكِحهُم وقال مَسلمة بن عبد الملك: إني لأحبُّ أن أسأل هذا الشيخ - يعني عمرو بن مسلم - فما يمنعُني منه إلاّ لحنُه وقال عمر رضي اللَّه عنه: تعلّموا النّحو كما تَعَلَّمونَ السُّننَ والفرائض وقال رجلٌ للحسن: يا أبي سعيد فقال: أكَسْبُ الدّوانيقِِ شغَلك عن أن تقول يا أبا سعيد قالوا: وأوّلُ لحنٍ سُمِع بالبادية: هذه عصاتي وأوَّلُ لحنٍ سُمع بالعراق: حَيِّ عَلَى الفلاَح
خالد بن عبد اللَّه القَسْريّ وخالد بن صفوان الأهتميُّ وعيسى بن المُدَوَّر وقال بعض النّسَّاك: أَعْربنا في كلامنا فما نلحن ولحَنَّا في أعمالنا فما نُعربِ وقال: أخبرني الرّبيع بن عبد الرحمن السُّلَميُّ قال: قلتُ لأعرابيّ: أتهمز إسرائيل قال: إني إذاً لرجل سَوْءٍ قال: قلت: أفتجرُّ فِلَسطين قال: إنّي إذاً لقويٌّ كان هُشََيمِ يقول: حدثنا يَوْنِس عن الحسن يقولها بفتح الياء وكسر النون وكان عبد الأعلى بن عبد الأعلى السَّاميّ يقول: فأخَذِهِ فصرعِهِ فذبحِهِ فأكَلِهِ بكسر هذا أجمع وكان مهديّ بن هُلَيل يقول: حدثنا هشامْ مجزومةً ثم يقولُ ابنْ ويجزمه ثم يقول حسّانْ ويجزمه لأنّه حين لم يكن نحويّاً رأى السلامةَ في الوقف وممَّن كان لا يلحن البتَّة حتّى كأنَّ لسانَه لسانُ أعرابيّ فصيح: أبو زيد النحويّ وأبو سعيد المُعلّم وقال خَلَفٌ: قلت لأعرابيّ: أُلقي عليك بيتاً قال: عَلَى نفسك فأَلقِه وقال أبو الفَضْل العنبريُِّ لعليّ بن بشير إني التقطت كتاباً من الطريق فأُنبئتُ أن فيه شعراً أتريده حتى آتيكَ به قال: نعمْ إنْ كان مقيَّداً قال: واللَّه ما أدري أَمُقَيَّدٌ هو أم مغلول الأصمعيّ قال: قيل لأعرابي: أتهمز الرُّمْح قال: نعم قِيلَ له: فقلها مهموزة فقالها مهموزة قيل له: أتهمز التُّرْسَ قال: نعم فلم يَدَعْ سيفاً ولا تُرساً إلاّ هَمَزه فقال له أخوه وهو يهزأ به: دعُوا أخي فإنّه يهمز السِّلاحَ أجمع وقال بعضهم: ارتفع إلى زيادٍ رجلٌ وأخوه في ميراث فقال: إنَّ أبونا مات وإن أخينا وثَب على مال أبانا فأكله فأمَّا زياد فقال: الذي أضَعْتَ من لسانك أضرُّ عليك مما أضعت من مالك وأمَّا القاضي فقال: فلا رحم اللَّه أباك ولا نَيَّحَ عَظْم أخيك قُمْ في لعنة اللَّهِ وقال أبو شَيبة قاضي واسط: أتيتمونا بعد أن أردنا أن نقُم قد ذكرنا - أكرمك اللَّه - في صَدْر هذا الكتاب من الجزء الأوَّل وفي بعض الجزء الثاني كلاماً من كلام العقلاء البلغاء ومذاهبَ من مذاهب الحكماء والعلماء وقد روَيْنا نوادرَ من كلام الصِّبيان والمحرَّمِين من الأعرابِ ونوادرَ كثيرةً من كلام المجانين وأهل المِرَّة من الموَسْوِسينِ ومن كلام أهل الغفلةِ من النَّوْكَى وأصحاب التكلّف من الحمقَى فجعلنا بعضَها في باب الاتعاظ والاعتبار وبعضَها في باب الهَزْل والفكاهة ولكلّ جنسٍ من هذا موضعٌ يصلح له ولا بد لمن استكدّهُ الجِدُّ من الاستراحة إلى بعض الهزل قال أبو عبيدة: أرسَل ابنٌ لعِجْل بن لُجَيمِ فرساً له في حَلْبَةٍ فجاء سابقاً فقال لأبيه: يا أَبَه بأيِّ شيءٍ أُسَمّيه فقال: افقَأْ إحدى عينيه وسمِّه الأعور وشعراء مُضَر يُحَمّقُون رجالَ الأزد ويستخفُّون أحلامهم قال عمر بن لَجَأ: من الرجز تصطكُّ ألْحِيَها على دِلائها تلاطُمَ الأزدِ على عطائها وقال بشَّار: من الكامل وكأنَّ غَلْيَ دِنانِهم في دُروهم لَغَطُ العَتيكِ على خِوَان زيادِِ وقال الرَّاجز: لَبَّيكَ بي أْرفُلُ في بِجَادِي حازِمَ حَقْوَيَّ وصدرِي بادِ أفرِّجُ الظَّلماءَ عن سوادِي أقْوَى لشَولٍ بَكَرتْ صَوَادِ كأنّما أصواتُها بالوادي أصوات حِجٍّ عن عُمَانَ غادِِ وقال الآخر في نحوِه: من الكامل وبسبب هذا يُدْخِلُونَ في المعنى قبائلَ اليمانيَة وقال ابنُ أحمر: من البسيط إخالُها سمِعت عَزْفاً فتحسبُه إهابَة القَسْرِ ليلاً حين تَنتَشِرُ وقال الكميت: من المتقارب كأنَّ الغُطامطَ من غَلْيها أراجيزُ أسْلَمَ تهجو غِفَارَا فجعل الأراجيز التي شبهَها في لفطها والتفافها بصوت غَليَان القدْر لأسلَمَ دون غِفَار
قال: ومن النَّوْكَى: مالكُ بن زيد مناةَ بن تميم الذي لما أُدخِل على امرأته فرأت ما رأت من الجَفَاءِ والجَهْل وجَلَسَ في ناحية منقبضاً مشتمِلاً قالت: ضع عُلْبَتَكَ قال: يدي أحفَظُ لها قالت: فاخلعْ نعليك قال: رجلاي أحفَظُ لهما قالت له: فَضَعْ شَمْلَتك قال: ظهري أولى بها فلمَّ رأت ذلك قامت فجلست إليه جنبه فلمَّا شم رِيحَ الطِّيب وثبَ عليها ومن المجانين والمُوسوِسين والنَّوكى: ابن قَنَانٍ وصَبَّاح المُوسوس ودِيسِيموس اليونانيّ وأبو حَيَّة النُّمَيْريِِ وأبو يس الحاسب وجُعيفران الشاعرِ وجَرَنْفَشٌ ومنهم سارية الليل ومنهم رَيْطة بنت كعب بن سعد بن تَيْم بن مُرَّة وهي التي نَقَضت غَزْلَها أنكاثاً فضرب اللَّه تباركَ وتعالى بها المَثل وهي التي قيل لها: خرقاءُ وجدت صُوفاً ومنهم: دُغَةُِ وجَهيزةُِ وشَوْلةُِ ودُرَّاعَةُ القُدَيد المَعدّيّة ولكلّ واحدٍ من هؤلاء قصَّة سنذكرها في موضعها إن شاء اللَّه فأمّا ديسيموس فكان من مُوسوسي اليونانيّين قال له قائل: ما بال ديسيموس يعلِّم الناسَ الشّعر ولا يستطيع قولَه قال: مَثلُه مثَل المِسَنّ الذي يَشْحَذ ولا يقطع ورآه رجلٌ وهو يأكل في السُّوق فقال: ما بال ديسيموس يأكل في السّوق فقال: إذا جاع في السّوق أكلَ في السُّوق وألَحّ عليه رجلٌ بالشّتيمة وهو ساكت فقيل له: أيشتُمك مثلُ هذا وأنت ساكت فقال: أرأيتَ إن نَبَحَكَ كلبٌ أتنبحه وإنْ رمَحك حمار أترمَحُه وكان إذا خرج مع الفجر يريد الفرات ألقى في دُوَّارة بابه حَجراً حتّى لا يُعانِيَ دفَع بابه إذا رجَع وكان كلّما رجَع إلى بابه وجد الحجر مرفوعاً والبابَ منصفقاً فعلم أنَّ أحداً يأخذ الحجر من مكانه فكمَن لصاحبه يوماً فلمّا رآه قد أخذ الحجر قال: ما لك تأخذُ ما ليس لك قال: لم أعلم أنه لك قال: فقد علمتَ أنّه ليس لك وأمَّا جُعيفران الموسوِس الشاعر فشهدتُ رجلاً أعطاه درهماً وقال له: قل شِعْراً على الجيم فأنشأ يقول: مجزوء الخفيف عادني الهمُّ فاعتلجْ كُلُّ هَمٍّ إلى فَرَجْ وهي أبياتِ وكان يتشيَّعُ فقال له قائلٌ: أتشتُم فاطمةَ وتأخذ درهماً قال: لا بل أشتم عائشة وآخذُ نِصفَ درهم وهو الذي يقول: من المجتث ما جعفرٌ لأبيهِ ولا له بشبيهِ أضحى لقوم كثيرٍ فكلهُم يَدَّعيهِ فذا يقول بُنَيّ وذا يخاصمُ فيهِ والأمُّ تضحكُ منهمْ لعلمها بأبيهِ وهو الذي يقوم في قول لاطَةٍ: من المنسرح كأنَّهمْ والأيور عامِدَةٌ صَيَاقِلٌ في جِلايَةِ النُّصُلِ وأما أبو يس الحاسب فإنَّ عقلَه ذهب بسبب تفكُّره في مسألة فلما جُنَّ كان يهذي بأنَّه سيصير مَلِكاً وقد أُلْهِمَ ما يحدُث في الدُّنيا من الملاحم وكان أبو نواس والرَّقاشيُّ يقولان على لسانه أشعاراً على مذاهب أشعار ابن عَقْب اللّيثي ويُرَوّيانها أبا يس فإذا حفظها لم يَشُكّ أنَّه الذي قالها فمن تلك الأشعار قول أبو نواس: من الرمل مَنع النَّومَ ادّكارى زمناً ذا تهاويلَ وأشياءَ نُكُرْ واعتراكُ الرُّوم في معمعةٍ ليس فيها لجبانٍ من مَقَرْ وعلاماتٌ ستأتي قَبله جمَّةٌ أوَّلُها سَكْرُ النَّهَرِْ ويليهم رجلٌ من هاشم أقنَصُ النَّاسِ جميعاً للحُمُرْ يبتني في الصَّحن من مسجدهم للمصلِّين من الشمس سُتُرْ ورَجاءٌ يبتني مِطْهرةً ضخمةً في وسطها طَسْتُ صُفُرِ فهُناكمْ حين يفشُو أمركم وهُناكُمْ ينزل الأمرُ النُّكُرْ فاتْبعوه حيثُ ما سارَ بكم أيُّها الناس وإن طالَ السَّفَرْ ودَعُوا باللَّه أن تَهزَوْا به لَعَن الرّحمنُ مَن مِنه سَخِرْ والبَصريُّون يزعمون أن أبا يس كان أحسَبَ الناس وأما أبوحيّة النُّميريّ فإنه كان أجنَّ من جُعيفران وكان أشعَرَ الناس وهو الذي يقول: من الطويل ألاَ حيِّ أطلالَ الرّسوم البواليا لبِسن البِلَى ممّا لَبِسْنَ اللَّياليا وفي هذه القصيدة يقول: من الطويل إذا ما تقاضَى المرءَ يومٌ وليلةٌ تقاضاه شيءٌ لا يملُّ التقاضيا وهو الذي يقول: من الطويل وحدَّثني أبو المنجوف قال: قال أبو حيّة: عَنَّ لي ظبيٌّ فرميته فراغ عن سهمي فعارضَه واللَّه السهمُ ثمّ راغ فراوغَه حتّى صرعه ببعض الخَبَارات وقال: رميتُ واللَّه ظبيةً فلمّا نفَذ السّهم ذكرتُ بالظبية حبيبةً لي فشددتُ وراء السّهم حتّى قبضت على قُذَذهِ وكان يكلِّم العُمَّار ويخبر عن مفاوضته للجنِّ وأما جَرْنَفشٌ فإنّه لما خلع الفرزدقُ لجامَ بغلته وأدنى رأسَها من الماء قال له جَرَنْفَش: نحِّ بغْلتَك حلَقَ اللَّه ساقَيك قال: ولِمَ عافاك اللَّه قال: لأنّك كذوب الحنجرة زاني الكَمَرةِ قال أبو الحسن: وبلغني أنّ الفرزدق لما أن قال له الجَرَنفشُ ما قال نادى: يا بني سَدوس فلما اجتمعوا إليه قال: سوّدوا الجرنفشَ عليكم فإنِّي لم أر فيكم أعقلَ منه ومن مجانين الكوفة: عيناوة وطاق البصل حدّثني صديقٌ لي قال: قلت لعيناوة: أيُّما أجنُّ أنت أو طاق البصل قال: أنا شيء وطاق البصل شيء ومن مجانين الكوفة: بُهلول وكان يتشيَّع فقال له إسحاق بن الصَّبّاح: أكثر اللَّه في الشّيعة مثلك قال: بل أكثر اللَّه في المرجئة مثلي وأكثَرَ في الشِّيعة مثلك وكان جيّد القفا فربّما مرَّ به من يحبُّ العبث فيَقفِده فَحَشا قفاه خِراء وجلَس على قارعة الطريق فكلَّما قَفده إنسانٌ تركه حتّى يجوزَ ثم يَصيح به: يا فتَى شُمّ يدَك فلم يَعُدْ بعدها أحدٌ يقفده وكان يغنِّي بقيراط ويسكت بدانَق وكانت بالكوفة امرأةٌ رعناءُ يقال لها مُجيبة فقفد بُهلولاً فتىً كانت مجيبةُ أرضعته فقال له بُهلول: كيف لا تكون أرعن وقد أرضعتك مُجيبة فواللَّه لقد كانت تزُقُّ لي الفَرخَ فأرى الرُّعونةَ في طيرانه قال: وحدّثني حُجر بن عبد الجبَّار قال: مرَّ مُوسى بن أبي الرَّوْقاء فناداه صَبَّاح الموسوس: يا ابن أبي الرَّوقاء أسمَنْتَ بِرذَونَك وأهزلت دينَك أمَا واللَّه إنّ أمامَك لَعقبةً لا يجاوزُها إلاّ المُخِفُّ فحبس موسى بروذنه وقال: مَن هذا فقيل له: هذا صَبَّاحٌ الموسوِس فقال: ما هو بموسوِس هذا نذير قال أبو الحسن: دعا بعضُ السلاطين مجنونَينِ ليحرِّكَهما فيضحكَ ممّا يجيء منهما فلما أسمعاه وأسمعهما غضِب ودعا بالسيف فقال أحدُهُما لصاحبه: كنَّا مجنونَين فصرنا ثلاثة وقال عمر بن عثمان: شيَّعت عبد العزيز بن المُطّلب المخزوميّ وهو قاضي مكةَ إلى منزله وبباب المسجد مجنونةٌ تصفّق وتقول: من الرجز أرّق عَينيَّ ضُراطُ القاضي هذا المقيم ليس ذاك الماضي فقال: يا أبا حفص أتُراها تعني قاضيَ مكة قال: وتَذاكرُوا اللََّثغ فقال قوم: أحْسَنُ اللَثغ ما كان على السِّين وهو أن تصير ثاء وقال آخرون: على الرّاء وهو أن تصير غَيناً فقال مجنون البكَراتِ: أنا أيضاً ألثغُ إذا أردتُ أن أقول شَريط قلت: رَشيط قال: وبعث عُبيد اللَّه بن مروان عمُّ الوليد إلى الوليد بقطيفةٍ حمراءَ وكتب إليه: إنِّي بعثتُ إليك بقطيفةٍ حمراء حمراء فكتب إليه الوليد: قد وصلتْ إليَّ القطيفةُ وأنت يا عَمُّ أحمقُ أحمق وقال محمد بن بلال لوكيله دَبَّة: اشتر لي طيباً سيرافيّاً قال: تريده سيرافي أو سيرافي سيرافي وقال محمد بن الجهم للمكِّيِّ: إني أراك مستبصراً في اعتقاد الجزء الذي لا يتجزأ فينبغي أن يكون عندك حَقّاً حَقّاً قال: أمَّا أن يكون عندي حَقّاً حَقّاً فلا ولكنه عندي حقّ ودخل أبو طالبٍ صاحبُ الطَّعام على هاشميّةَ جاريةِ حَمدونةَ بنتِ الرَّشيد على أن يشتري طعاماً من طعامها في بعض البيادر فقال لها: إنِّي قد رأيتُ متاعَكِ قالت هاشميّةُ: قل طعامَكِ قال: وقد أدخلتُ يدي فيه فإذا متاعُك قد خَمَّ وحَمِيَ وقد صار مثل الجِيفَة قالت: يا أبا طالب ألستَ قلَّبت الشَّعير فأعطنا ما شئت وإن وجدته فاسداً ودخل أَبوطالبٍ على المأمون فقال: كان أبوكَ يا أبا خيراً لنا منك وأنت يا أبا ليس تعدنا ولا تبعثُ إلينا ونحن يا أبا تِجَارك وجِيرانُك والمأمونُ في كلِّ ذلك يتبسَّم وقيل للمثنّى بن يزيد بن عمر بن هبيرة وهو على اليمامة: إنّ ها هنا مجنوناً له نوادرُ فأتوه به فقال: ما هجاء النَّشّاش فقال: الفَلَج العادِيُّ فغضب ابنُ هبيرةَ وقال: ما جئتموني به إلاّ عمداً ما هذا بمجنون والنَّشّاش: يومٌ كان لقَيس على حنيفة والفَلَج: يومٌ كان لحنيفة على قيسِ وأنشدوا: وقال: من الطويل فتىً زاده عزُّ المهابة ذِلَّةً وكلُّ عزيزٍ عنده متواضعُ وقال: من البسيط قد ينفع الأدبُ الأحداثَ في مَهَلٍ وليس ينفع بَعدَ الكَبْرةِ الأدبُ إن الغُصُونَ إذا قَوّمتَها اعتدلت ولن تلينَ إذا قوَّمتها الخُشُبِ
قال جعفر بن أُخت واصل: كتب رجلٌ إلى صديق له: بلغني أنّ في بستانك أشياءَ تهمُّني فهب لي منه أمراً من أمر اللَّه عظيماً وقال أبو عبد الملك وهو الذي كان يقال له عَنَاقٌ: كان عيّاشٌ وثُمامةُ حيٌّ يعظّمني تعظيماً ليس في الدُّنيا مثله وقال له عيَّاش بن القاسم: بأيّ شيء تزعمون أنّ أبا عليٍّ الأسواريَِِّ أفضلُ من سلاّمٍ أبي المنذرِ قال: لأنّه لما مات سلاّمٌ أبو المنذر ذهب أبو عليٍّ في جنازته فلما مات أبو عليٍّ لم يَذْهب سلاّم في جنازته وكان يقول: فيك عَشْرُ خصالٍ من الشرّ فأمّا الثانية كذا وأمّا الرابعة كذا وأمّا السابعة كذا وأمّا العاشرة كذا قال: وقلنا للفقعسي: كيف ثناؤك وقال الخُرداذيّ: آجَركم اللَّه وأعظم أجْركم وأجَركم فقيل له ذلك فقال: هذا كما قال عثمان بن الحكمِ: بارك اللَّه لكم وبارك عليكم وبارك فيكم قالوا له: ويلك: إنَّ هذا لا يشبه ذلك وكتب إلى بعض الأمراء: أبقاك اللَّه وأطال بقاءك ومدَّ في عمرك وكان أبو إدريسَ السّمّاني قول: وأنت فلا صبَّحك اللَّه إلاّ بالخيرِ ويقول: وأنتم فلا حيَّا اللّه وجهَكم إلاّ بالسلام وأنتم فلا بيّتكم اللّه إلاّ بالخير ومَرَّ ابن أبي علقمة فصاح به الصِّبيانُ فهرب منهم وتلقّاه شيخٌ عليه ضفيرتان فقال له: " يَا ذَا القَرْنَيْنِ إنَّ يأجُوجَ ومَأجوجَ مُفْسدُون في الأرض " الكهف: 94 وقال المهلَّبُ لرجل من بني مِلْكان أحد بني عديّ: متى أنت قال: أيَّامَ عُتيبةَ بن الحارث بن شهاب وأقبل على رجلٍ من الأزد فقال: متى أنت فقال: أكلتُ من حياة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عامَين فقال له المهلَّب: أطعمك اللَّه لَحمَك وأنشدني المُعَيطيّ: وأنزَلَني طولُ النّوى دارَ غَربةٍ إذا شئتُ لاقيتُ الذي لا أشاكلُه فحامقْتُه حتَّى يقالُ سجِيَّةٌ ولو كان ذا عقلٍ لكنتُ أعاقلُه قالوا: وخطب عَتّابُ بن ورقاءَ فحثَّ على الجهاد فقال: هذا كما قال اللَّه تبارك وتعالى: من الخفيف وخَطب والي اليمامة فقال: إن اللَّه لا يُقارُّ عبادَه على المعاصي وقد أهلك اللَّه أمَّة عظيمة في ناقةٍ ما كانت تساوِي مائتي درهم فسميَِّ مقومَ ناقةِ اللَّه وهؤلاء الجُفاةُ والأعراب المُحرَّمون وأصحاب العَجْرفِيَّة ومن قلَّ فقهُه في الدّين إذا خطبوا على المنابر فكأنهم في طباع أولئك المجانين وخطب وكيعُ بن أبي سُودٍ بخراسان فقال: إنّ اللَّه خلق السَّماوات والأرضَ في ستَّة أشهر فقيل له: إنّها ستّة إيام قال: وأبيكَ لقد قلتُها وإنّي لأستقلّها وصعِد المنبرَ فقال: إن ربيعةَ لم تَزَلْ غِضاباً على اللَّه مذْ بعثَ اللَّه نبيَّه في مُضَر ألاَ وإنَّ ربيعة قومٌ كُشُفٌ فإذا رأيتموهم فاطْعنوا الخيل في مناخرها فإنّ فرساً لم يطعن في منخره إلاّ كان أشدَّ على فارسه من عَدُوّه وضَربت بنو مازن الحُتَات بن يزيدَ المُجاشعيّ فجاءت جماعةٌ منهم فيهم غالبٌ أبو الفرزدق فقال: يا قوم كونوا كما قال اللَّه: لا يعجِز القومُ إذا تعاونوا وتزعم بنو تميم أن صَبِرَة بن شَيْمان قال في حرب مسعودٍ والأحنف: إن جاء حُتَاتٌ جئت وإنْ جاء الأحنف جئت إن جاء جاريَةُ جئت وإن جاؤوا جئنا وإن لم يجيئوا لم نَجئْ وهذا باطلٌ قد سمِعنْا لصَبرَةَ كلاماً لا ينبغي أن يكون صاحبُ ذلك الكلامِ يقول هذا الكلام ولمّا سمِع الأحنفُ فتيانَ بني تميم يضحكون من قول العَرنْدس: من المتقارب لَحَا اللَّه قوماً شوَوْا جارَهُمْ إذِ الشَّاةُ بالدِّرهمين الشَّصِبْ قال: أتضحكون أمَا واللَّه إنَّ فيه لمعنَى سَوء قال: وكان قَبيصة يقول: رأيتُ غُرفةً فوق البيت ورأى جراداً يطير فقال: لا يَهُولَنَّكم ما ترون فإنّ عامَّتها موتى وإنَّه في أوّل ما جاء الجراد قَبَّل جرادةً ووضعها على عينيه على أنَّها من الباكورة وهذه الأشياء ولّدها الهيثم بنُ عديٍّ عند صنيع داود بن يزيد في أمر تلك المرأة ما صنع قال أبو الحسن: وتغدَّى أبو السَّرايا عند سليمان بن عبد الملك وهو يومئذ وليُّ عهد وقدَّامَه جَديٌّ فقال: كل من كُليته فإنّها تزيد في الدماغ فقال: لو كان هذا هكذا لكان رأسُ الأمير مثلَ رأس البغل وقال أبو كعبٍ: كنَّا عند عيّاشِ بن القاسم ومعنا سَيْفَويه القاصّ فأُتينا بفالوذَجة حارة فابتلَع منها سَيفويه لقمةً فغُشِيَ عليه من شدّة حرّها فلما أفاق قال: لقد مات لي ثلاثةُ بنينَ ما دخل جوفي عليهم من الحُرقة ما دخل جوفي من حُرقة هذه اللقمة سعيد بن أبي مالك قال: جالسني رجل فغَبَر لا يكلِّمني ساعةً ثم قال لي: جلستَ قطُّ على رأس تَنُّورٍ فخَرِيتَ فيه آمناً مطمئنّاً قال: قلت: لا قال: فإنك لم تعرفْ شيئاً من النّعيم قطّ قال: وقال هشام بن عبد الملك ذاتَ يوم لجلسائه: أيُّ شيء ألذّ قال الأبرش ابن حسَّان: هل أصابك جَرَبٌ قط فحككتَه قال: ما لَكَ أجْربَ اللَّه جِلدك ولا فرجّ اللَّه عنك وكان آنَسَ الناس ومن غرائب الحُمق: المذهب الذي ذهب إليه الكميت بن زيد في مديح النبي صلى الله عليه وسلم حيث يقول: من المنسرح فاعتتب الشّوق من فوادي والشِّع - رُ إلى من إليه مُعتَتَبُ إلى السّراج المنيرِ أحمدَ لا تَعدِلُني رَغبةٌ لولا رهَبُ عنه إلى غيره ولو رفع النَّا - سُ إليَّ العيونَ وارتقَبوا وقيل أفرطتَ بل قصدتُ ولو عنّفني القائلون أو ثَلَبوا إليك يا خيرَ مَن تضمّنت الأر - ضُ ولو عاب قولِيَ العُيُبُ لَجّ بتفضيلك اللّسان ولو أُكثِر فيك اللَّجاجُ واللَّجَبُ فمن رأى شاعراً مدح النبي صلى الله عليه وسلم فاعترض عليه واحدٌ من جميع أصناف الناس حتّى يزعمَ هو أنّ ناساً يعيبونه ويثلبونه ويعنّفونه ولقد مدح النبيَّ صلى الله عليه وسلم فما زاد على قوله: من الطويل وبوركَ قَبْرٌ أنتَ فيه وبوركت به وله أهلٌ بذلك يثربُ يعني قبر النبي صلى الله عليه وسلم ويثرب يعني المدينة لقد غيَّبوا بِرّاً وحزماً ونائلاً عشيَّةَ واراه الصّفيحُ المُنَصَّبُ وهذا شعر يصلُح في عامَّة الناس وكتب مَسلمة بن عبد الملك إلى يزيدَ بنِ المهلب: إنّك واللَّه ما أنتَ بصاحب هذا الأمر صاحبُ هذا الأمرِ مغمورٌ مَوتُور وأنت مشهور غير موتور فقال له رجلٌ من الأزْد يقال له عثمانُ بن المفضّل: قدِّم ابنَك مخلداً حتَّى يُقتل فتصير موتوراً وقال: جاء ابنٌ لجُدَيع بن علي وكان ابن خالٍ ليزيد بن المهلّب فقال ليزيد: زوِّجني بعض وَلِدك فقال له عثمان بن المفضّل: زوِّجْه ابنَك مخلداً فإنه إنما طلبَ بعضَ الوَلَد ولم يستثنِ شيئاً ومن الحَمقَى: كُثَيِّر عَزَّة ومن حُمقه أنه دخل على عبد العزيز بن مروان فمدحه بمديحٍ استجاده فقال له: سَلْني حوائجَك قال: تجعلني في مكانِ ابن رُمَّانة قال: ويلك ذاك رجلٌ كاتب وأنت شاعر فلما خرج ولم ينل شيئاً قال في ذلك: من الطويل عجبتُ لأخذي خُطَّة الغَيّ بعد ما تبيَّن من عبد العزيز قَبولُها فإنْ عادَ لي عبدُ العزيز بمثلها وأمكنني منها إذاً لا أُقِيلُها قال أبو الحسن: قال طارق: قال ابن جابان: لقي رجلٌ رجلاً ومعه كلبان فقال له: هب لي أحدَهما قال: أيُّهما تريد قال: الأسود قال: الأسود أحبُّ إليَّ من الأبيض قال: فهب لي الأبيض قال: الأبيض أحبُّ إليَّ من كِلَيهما قال: وقال رجلٌ لرجل: بكم تبيع الشاة قال: أخذتُها بسِتّة وهي خيرٌ من سبعة وقد أُعطيتُ بها ثمانية فإنْ كانت حاجتَك بتسعة فزِنْ عشرة قال أبو الحسن: قال طارقُ بن المبارك: دخل رجلٌ على بلالٍ فكساه ثوبين فقال: كساني الأمير ثوبين فاتَّزرتُ بالآخَر وارتديتُ بالآخرَ قال: ومرِض فتىً عندنا فقال له عمُّه: أيَّ شيءٍ تشتهي قال: رأسَ كبشين قال: لا يكون قال: فرأسَيْ كبش طارق قال: وقع بين جارٍ لنا وجارٍ له يُكْنَى أبا عيسى كلامٌ فقال: اللهمَّ خُذْ منِّي لأبي عيسى قالوا: أتدعو اللّه على نفسك قال: فخُدْ لأبي عيسى منّي أبو زكريَّا العَجْلانيّ قال: دخل عمرو بن سعيدٍ على معاوية وهو ثقيل فقال: كيف أصبحت يا أمير المؤمنين قال: أصبحتُ صالحاً قال: أصبحَتْ عينُك غائرة ولونُك كاسفاً وأنفُك ذابلاً فاعهد عَهْدَك ولا تخْدعَنَّ عَنْ نفسك قال: وقال عُبيد اللَّه بن زياد بن ظَبْيانَ التيميّ: يرحم اللَّه عمر بن الخطاب كان يقول: اللهمَّ إني أعوذ بك من الزّانيات وأبناء الزانيات فقال عُبيد اللَّه بن زياد ابن أبيه: يرحم اللَّه عمر كان يقول: لم يُقِم جنينٌ في بطن حمقاءَ تسعة أشهرٍ إلاّ خرج مائقاً وكان أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقولون: كونوا بُلْهاً كالحمَام وقال آخر: حماقة صاحبي عليَّ أشدُّ ضرَراً منها عليه وقالوا: شَرَدَ بعيرٌ لهبنَّقَة القيسيّ - وبجنونه يُضرب المثل - فقال: مَن جاء به فله بعيران فقيل له: تجعل في بعير بعيرين فقال: إنّكم لا تعرفون فَرُحة الوِجدان واسمه يزيدُ بن ثَرْوان وكنيته أبو نافع وقال الشَّاعر: من الخفيف عِشْ بجَدٍّ ولا يضُرَّكَ نَوكٌ إنّما عيشُ مَن تَرَى بالجُدُودِ عش بجَدٍّ وكن هَبَنَّقةَ القَيْ - سيَّ نَوكاً أو شَيبةَ بن الوليد وهَبنّقةُ هو يزيد بن ثَرْوان أحد بني قيس بن ثعلبة ولما خَلَع قتيبةُ بن مسلم سليمانَ بن عبد الملك بخراسان قام خطيباً فقال: يا أهل خراسان أتدرون مَن ولِيُّكم إنّما وليُّكم يزيد بن ثروان كنى به عن هَبنّقة وذلك أنّ هبنّقة كان يحسِن من إبله إلى السِّمان ويَدَع المهازيل ويقول: إنّما أكرِمُ من أكرم اللَّه وأهين من أهان اللَّه وكذلك كان سليمانُ يعطي الأغنياء ولا يعطي الفقراء ويقول: أُصلح ما أصلح اللَّه وأُفسد ما أفسَد اللَّه وقال الفرزدق: ما عييتُ بجواب أحدٍ قَطُّ ما عَييت بجوابِ مجنونٍ بدَير هِزْقِلَ دخلتُ إليه فإذا هو مشدودٌ إلى أسطوانة فقلت: بلغني أنّك حاسب قال: ألِق عليّ ما شئت قال: فقلت: أمسك معك خمسة وجُلِدْتَها قال: نعم قلت: وأمسِكْ أربعةً وجُلِدْتَها قال: نعم قلت: كم معك قال: تسعة وجُلِدتَها مرّتين وكان زُرَيْق الفَزاريّ يمرُّ باللّيل وهو شارب فيشتُم أهلَ المجلس فلما أن كان بالغداة عاتبوه قالوا: وخطب يوماً عَتَّاب بن ورقاء فقال: هذا كما قال اللّه تبارك وتعالى: إنّما يتفاضل النّاس بأعمالهم وكل ما هو آتٍ قريب قالوا له: إنّ هذا ليس من كتاب اللّه قال: ما ظننتُ إلاّ أنّه من كتاب اللّه قال: وخطب عديّ بن وَتَّاد الإياديّ فقال: أقول كما قال العبدُ الصالح: " ما أُريكُمْ إلاّ ما أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إلاّ سَبيل الرَّشاد " غافر: 92 قالوا له: ليس هذا من قول عبدٍ صالحَ إنّما هو من قول فرعون قال: ومن قاله فقد أحسن وقال أعرابيّ: من الكامل خلقَ السَّماءَ وأهلَها في جُمْعةٍ وأبوكَ يمدُر حوضَه في عَامِ وقال: وكان عبدُ المالك بنُ مرْوان أوّلَ خليفةٍ من بني أميَّة منع الناسَ من الكلام عند الخلفاء وتقدّم فيه وتوعّد عليه وقال: إنّ جامعة عمرو بن سعيد بن العاصِي عِندي وإنى واللّه لا يقولُ أحَدٌ هكذا إلاّ قلت به هكذا وفي خطبَة له أخرى: إنِّي واللّه ما أنا بالخليفة المستضعَف وهو يعني عثمان ابن عفّان رحمه اللّه ولا أنا بالخليفة المُداهِن يعني معاوية ولا أنا بالخليفة المأبون يعني يزيد بن معاوية قال أبو إسحاق: واللّه لولا نسبُك من هذا المستضعف وسببُك من هذا المُداهِن لكنتَ منها أبعد من العَيُّوق واللّه ما أخذتَها من جهة الميراث ولا من جهة السّابقة ولا من جهة القرابة ولا تدَّعي شُورَى ولا وصيةٌ قال أبو الحسن: دخل كَرْدَم السّدوسي على بلال بن أبي بُردة فدعاه إلى الغَداء فقال: قد أكلتُ قال: وما أكلتَ قال: قليلَ أرز فأكثَرتُ منه ودخل كَردمٌ الذَّرَّاعُ أرضَ قومٍ يَذرعُها فلما انتهى إلى زَنَقَةٍ لم يحسن يذرِّعها قال: هذه ليست لكم قالوا: هي لنا ميراثٌ وما ينازعنا فيها إنسان قطُّ قال: لا واللّه ما هي لكم قالوا: فحَصّل لنا حسابَ ما لا تشُكُّ فيه قال: عشرون في عشرين مائتان قالوا: من أجل هذا الحساب صارت الزَّنَقَة ليست لنا قالوا: ودخل عُكابَةُ بن نُمَيلة النُّميريّ دارَ بلال بن أبي بردة فرأى ثوراً مُجلّلاً فقال: ما أفرهَهُ من بَغلٍ لولا أنَّ حوافره مشقوقة ومن النَّوكَى وممن ربما عدُّوه من المجانين: ابن قَنَانٍ الأزديّ وضَرب به المثل ابنُ ضَبٍّ العَتَكيُّ في قوله لجُدَيع بن عليٍّ خالِ يزيدَ بنِ المهلّب حيث يقول: من الكامل لولا المهلّبُ يا جُدَيْعُ ورُسْلُه تغدُو عليك لكنتَ كابن فنَانِ أنت المرَدّدُ في الجيادِ وإنّما تأتي سُكيتاً كلَّ يومِ رِهانِ وقال آخر يهجو امرأةً بأنّها مِضياعُ خرقاء: من الطويل وإنّ بلائي من رَزينة كُلّما رجوتُ انتعاشاً أدركتني بِعاثِرِ تبرِّدُ ماءَ السُّعْن في ليلة الصَّبا وتستعمل الكُركورَ في شهر ناجر وفي خطأ العلماء قال أبو الحسن: قال الشّعْبيّ: سايرت أبا سَلَمةَ بن عبد الرحمن بن عوف فكانَ بيني وبين أبي الزِّناد فقال: بينكما عالم أهل المدينة فسألته امرأةٌ عن مسألةٍ فأخطأ فيها وقال طرفة بن العبد يهجو قابوسَ بن هندٍ الملك: من الوافر لعمركَ إنّ قابوسَ بنَ هندٍ ليخلِطُ مُلكَهُ نوكٌ كَثيرُ قسَمْتَ الدّهرَ في زمنٍ رخيٍّ كذاك الحُكْمُ يَقصِد أو يجورُ لنا يومٌ وللكِرْوان يومٌ تطير البائساتُ وما نطيرُ فأمَّا يومُنا فنظلُّ رَكْباً وقوفاً ما نَحُلُّ وما تَسيرُ وأمّا يومُهنَّ فيومُ بُؤْسٍ يطاردُهُنَّ بالحَدَبِ الصُّقورُ الفَلُوشكيّ قال: قلتُ لأعرابيّ: أيَّ شيءٍ تقرأ في صلاتك قال: أُمّ الكتاب ونسبة الرّبّ وهِجاء أبي لهب وكان الفَلُوشكي البكراويّ أجنّ الناس وأعيا الخلقِ لساناً وكان شديد القمار شديد اللعب بالوَدع قال ابنُ عمٍّ له: وقفت على بقيَّةِ تمرٍ في بَيدرٍ لي فأردتُ أن أعرِفهُ بالحَزْر ومَعَنا قومٌ يجيدون الخرْص وقد قالوا فيها واختلفوا فهجم علينا الفَلُوشكي فقلت له: كم تحزُرُ هذا التَّمر قال: أنا لا أعرف الأكرَار وحسابَ القُفْزَان ولكنْ عندي مِرْجَلٌ أطبخ فيه تمرَ نبيذي وهويسع مَكُّوكين وهذا التَّمر يكون فيه مائتين وستِّين مِرْجلاً قال: فلا واللَّه إنْ أخطأ قالوا: وقال المهلَّب يوماً والأزد حوله: أرأيتم قول الشاعر: من الوافر إذا غُزْرُ المَحَالِب أتأقتْهُ يمجُّ على مناكبهِ الثُّمَالا وإلى جنب غَيلان بن خَرَشة شيخٌ من الأزد فقال له: قل لَبَن الفحل فقالها فقال المهلَّب: ويلكم أمَا جالستم النَّاس وأنشد بعضُ أصحابنا: ألِكْني إلى مَولى أُكَيْمَةَ وانْهَهُ وهل ينتهي عن أوَّل الزجر أحمَقُ وزعم الهيثم بن عديٍّ عن رجاله أن أهل يَبرِينَ أخفُّ بني تميم أحلاماً وأقلُّهم عقولاً قال الهيثم: ومن النَّوكى: عُبيد اللَّه بن الحُرّ وكنيته أبو الأشوس قال الهيثم: خطب قَبيصَة وهو خليفة أبيه على خراسان وأتاه كتابُه فقال: هذا كتابُ الأمير وهو واللَّه أهلٌ لأن أطيعَه وهو أبي وأكبر منِّي وكان فيما زعموا ابنٌ لسَعيدٍ الجوهريّ يقول: صلى اللَّه تبارك وتعالى على محمد صلى الله عليه وسلم قال أبو الحسن: صعِد عديُّ بن أرطاةَ على المنبر فلما رأى جماعةَ الناس حَصِرَ فقال: الحمدُ للَّه الذي يُطعم هؤلاء ويسقيهم وصعِد رَوح بن حاتم المنبر فلما رآهم قد شَفَنوا أبصارهم وفتَحوا أسماعَهم نحوه قال: نكّسوا رؤوسكم وغُضُّوا أبصارَكم فإنّ المنبر مركَبٌ صعب وإذا يسَّر اللَّه فَتَح قُفلٍ تَيسَّر قالوا: وصعد عثمان بن عفان رحمه اللَّه المنبَر فأُرتِج عليه فقال: إنَّ أبا بكر وعمر كانا يُعِدّان لهذا المقام مقالاً وأنتم إلى إمامٍ عادلٍ أحوجُ منكم إلى إمام خطيب قال: وقالوا لزيادٍ الأعجم: لم لا تهجو جريراً قال: أليس الذي يقول: من الوافر كأنَّ بني طُهَّيةَ رهطَ سَلْمَى حجارة خارئٍ يرمى الكِلاَبَا قالوا: بَلَى قال: ليس بيني وبين هذا عمل قال أبو الحسن: خطب مُصعب بن حيَّان أخو مقاتل بن حيان خِطبةَ نكاح فحَصِرَ فقال: لقِّنُوا موتاكم قول لا إله إلاّ اللَّه فقالت أمُّ الجارية: عجَّل اللَّه موتَك ألهذا دعوناك وخطب أميرالمؤمنين المَوالِي - وهكذا لقبه - خِطبةَ نكاح فحَصِر فقال: اللهم إنّا نَحْمَدك ونستعينك ونشرِك بك وقال مولىً لخالد بن صفوان: زوِّجْني أمَتَك فلانة قال: قد زوَّجْتُكها قال: أفأُدخِل الحَيَّ حتَّى يحضُروا الخِطبة قال: أدخلْهم فلمَّا دخلوا ابتدأ خالد فقال: أمَّا بعد فإنَّ اللَّه أجلُّ وأعزُّ من أن يُذكَر في نكاحِ هذين الكلبين وقد زوَّجتُ هذه الفاعلَة من هذا ابن الفَاعلةِ وقال إبراهيم النَّخَعي لمنصور بن المعتمر: سل مسألةَ الحَمقى واحفَظْ حِفظَ الكَيْسَى قال: ودخَل كُثيِّر عَزَّة - وكان محمَّقاً ويُكنَى أبا صخر - على يزيدَ بنِ عبد الملك فقال: يا أمير المؤمنين ما يعني الشَّمَّاخُ بن ضِرارٍ بقوله: من الوافر قال يزيد: وما يضرُّ أمير المؤمنين ألاّ يعرف ما عَنَى هذا الأعرابيُّ الجِلفُ فاستحمقه وأخرجه قالوا: وكان عامر بن كُرَيز يحمَّق قال عَوانة: قال عامرٌ لأمِّه: مَسِسْتُ اليَومَ بُرْد العاصي بن وائلٍ السهمي فقالت: ثَكِلتك أمٍُّك رجلٌ بين عبد المطلب ابن هاشم وبين عبد شمس بن عبد مناف يفرَحُ أن تصيب يَدُه بُرْدَ رجل من بني سهْمٍ ولمّا حَصِرعبدُ اللَّه بن عامر على مِنبر البصرة فشقَّ ذلك عليه قال له زياد: أيُّها الأمير إنّك إن أقمتَ عامَّة مَن تَرى أصابه أكثرُ مما أصابك وقيل لرجل من الوجوه: قمْ فاصعد المنبر وتكلمْ فلما صعِدَ حَصِر وقال: الحمد للَّه الذي يرزُق هؤلاء وبقي ساكتاً فأنزلوه وصعِد آخر فلما استوى قائماً وقابل بوجهه وجوهَ الناس وقعت عينُه على صَلَعة رجلٌ فقال: اللّهم العَن هذه الصَّلَعة وقيل لوازعٍ اليشكُريّ: قم فاصعد المنبر وتكلم فلما رأى جَمْع الناس قال: لولا أنّ امرأتي حملَتْني على إتيان الجمعةِ اليوم ما جَمَّعتُ وأنا أُشْهِدُكم أنّها منِّي طالقٌ ثلاثاً ولذلك قال الشاعر: من الطويل وما ضرَّني أن لا أقوم بخطبة وما رَغْبتِي في ذا الذي قال وَازِعُ قال: ودخلتُ على أنس بن أبي شَيخ وإذا رأسه عل مِرْفَقةٍ والحجَّام يأخذ من شعره فقلت له: ما يحملك على هذا قال: الكسل قال: قلت: فإن لقمان قال لابنه: إيّاك والكسل وإيّاك والضَّجَر فإنّك إذا كَسِلْتَ لم تؤدِّ حَقّاً وإذَا ضَجِرَتَ لم تصبرْ على حَقِّ قال: ذاك واللَّه أنّه لم يعرف لذَّةَ الكُسولة قال: وقيل لبحر بن الأحنف: ما يمنعك أن تكون مثل أبيك قال: الكسل وقال الآخر: من الوافر أطال اللَّه كيس بني رَزينٍ وحُمْقي أنْ شَرَيتُ لهم بِدَيْن أأكتب إبْلَهمْ شاءً وفيها بِرَيع فِصَالها بِنتاً لَبُونِ فما خُلِقوا بكَيسهم دُهَاةً ولا مُلَحَاءَ بعَدُ فيعجبوني وذكر الآخر الكَيْس في معاتبته لبني أخيه حين يقول: من الوافر عفاريتاً عليَّ وأكْلَ مالي وعجزاً عن أناسٍ آخرينا فهلا غير عَمِّكم ظَلَمتُم إذا ما كنتمُ متظلِّمينا فلو كنتم لِكَيِّسَةٍ أكاسَتْ وكيْسُ الأم أكيَسُ للبَنِينا وقال بعضهم: عيادَة النَّوكى الجلوس فوق القَدْر والمجيء في غير وقت وعاد رجلٌ رقبةَ بن الحُرّ فَنَعى رجالاً اعتلُّوا من علَّتِه فنعى بذلك إليه نفسَه فقال له رقَبة إذا دخلتَ على المرضى فلا تَنْعَ إليهم الموتى وإذاخرجت من عندنا فلا تَعُد إلينا وسأل معاوية ابنَ الكوَّاء عن أهل الكوفة فقال: أبحثُ الناسِ عن صغيرة وأترَكُه لكبيرة وسئل شريكٌ عن أبي حنيفة فقال: أعلم الناس بما لا يكون وأجهل الناس بما يكون وسأل معاوية دَغفَلاً النسَّابة عن اليمن فقال: سيِّدٌ وأنْوَك وذُكرَ عُيَينة بن حِصْن عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال: الأحمق المطاع وجنّ أعرابيُّ من أعراب المِرْبَد ورماه الصِّبيان فرَجَم فقالوا له: أمَا كنت وقوراً حليماً فقال: بلى بأبي أنتم وأمِّي واللَّه ما استُحمِقْتُ إلاّ قريباً وكان أول جنونه من عبث الناس به ورمى إنساناً فشجَّه فتعلقّ به وهو لا يعرفه وضمَّه إلى الوالي فقال له الوالي: لم رميْتَ هذا وشَجَجْتَهُ فقال: أنا لم أرَمه هو دخل تحت رَمْيتي وكان وَكيعُ بن الدَّورقيَّة يحمَّق قال الوليد بن هشام القحذميّ أبو عبد الرحمن قال: أخبرني أبي قال: لمّا قَدِمَ أميَّةُ خُرَاسان قيل له: لم لا تُدْخل وكيع بن الدّورقيّة في صَحَابَتك قال: هو أحمق فركب يوماً وسايره فقال: ما أعظم رأسَ بِرذَونك قال: قد كفاك اللَّه حَمله ثمّ سايره قليلاً فقال: أصلحك اللَّه أرأيتَ يومَ لقيتَ أبا فُديكٍ ما منعَكَ أن تكون قد قدَّمتَ رِجْلاً وأخّرتَ رجْلاً وداعَسْت بالرمح حتى يفتحَ اللَّه عليك قال: اغُرب قَبَحك اللَّه وأمَرَ به فَنُحِّيَ وساير سعيدٌ بن سَلْمٍ موسى أمير المؤمنين والحربةُ في يد عبد اللَّه بن مالك وكانت الرِّيح تَسْفِي التُّراب الذي تثيره دابّة عبد اللَّه بن مالك في وجه موسى وعبد اللَّه لا يشعر بذلك وموسى يَحيد عن سَنَن التُّراب وعبد اللَّه فيما بين ذلك يلحظ موضعَ مسير موسى فيتكلّف أن يسير على محاذاته وإذا حاذاه ناله ذلك التُّراب فلمَّا طال ذلك عليه أقبل على سعيد بن سَلْم فقال: ألا تَرَى ما نلقى من هذا الحائن في مسيرنا هذا قال: واللَّه يا أمير المؤمنين ما قصَّر في الاجتهاد ولكنه حُرِمَ التوفيق وسايَرَ البِطريقُ الذي خَرَج إلى المعتصم من سور عمُّوريَّةَ محمَّدَ بنَ عبدالملك والأفْشِينَ بنَ كاوُس فساوم كلَّ واحد منهما ببرذونه وذكر أنه يرغّبهما أو يُرْبحهما فإن كان هذا أدبَ البِطريق مع محلّه من المُلك والمملكة فما ظنُّك بمن هو دونَه منهم ولما استجلس المعتصمُ بِطرِيقَ خَرْشَنة تربَّع ثم مد رجليه وقال زياد: ما قرأتُ مثلَ كُتبِ الرّبيع بن زياد الحارثيّ ما كَتبَ إليه إلاّ في اجترار منفعة أو دفع مَضَرَّةٍ وما كان في مَوكِبي قطُّ فتقدم عِنَانُ دابَّته عِنَانَ دابَّتي ولا مسَّت ركبتَهُ ركبتي ولا شاورْتُ الناسَ في أمرٍ قطّ إلاّ سَبقهم إلى الرَّأي فيه وكان عَلى شُرَط زيادٍ عبدُ اللَّه بن حِصن التغلبي صاحب مقبرة بن حصن والجعد بن قيس النُّمَيري صاحب طارق الجعد وكانا يتعاقبان مجلسَ صاحب الشُّرطة فإذا كان يومُ حَمْلِ الحربة سارا بين يديه مَعاً فجرى بينهما كلامٌ وهما يسيران بين يديه فكان صوتُ الجعد أرفَعَ وصوت عبدِ اللَّه أخفض فقال زياد لصاحب حَرَسه: تناولِ الحربةَ من يد الجعد ومره بالانصراف إلى منزله وعَدَا رجلٌ من أهل العسكر بَين يدَي المأمون فلما انقضى كلامُه قال له بعض مَن يسير بقربه: يقول لك أمير المؤمنين: اركبْ قال: قال المأمون: لا يقال لمثل هذا اركبْ إنَّما يقال لمثل هذا انصرفْ وكان الفضل بن الربيع يقول: مسألة الملوك عن حالهم مِن تحيّة النَّوكَى فإذا أردتَ أن تقول: كيف أصبح الأمير فقل: صبَّح الله الأمير بالكرامة والنّعمة وإذا أردت أن تقول: كيف يجد الأمير نفسه فقل: أنزل اللَّه على الأمير الشّفاءَ والرحمة والمسألة توجِبُ الجواب فإنْ لم يجبْك اشتدَّ عليك وإن أجابك اشتدَّ عليه وقال محمّد بن الجهم: دخلت على المأمون فقال لي: ما زال أمير المؤمنين إليك مشتاقاً فلم أدر جوابَ هذه الكلمةِ بعينها وأخذتُ لا أقصِّر فيما قدَرت عليه من الدُّعاء ثم الثَّناء قال أبو الحسن: قال ابن جابان: قال المهديّ: كان شبيب بن شيبة يسايرني في طريق خراسان فيتقدّمُني بصدر دابّته فقال لي يوماً: ينبغي لمن سايَرَ خليفَةً أن يكون بالموضع الذي إذا أراد الخليفةُ أن يسأله عن شيء لا يلتفتُ إليه ويكونَ من ناحيةٍ إن التفت لم تستقبلْه الشَّمس قال: فبينما نحن كذلك إذ انتهينا إلى مَخَاضَةٍ فأقحمْت دابّتي ولم يقف واتَّبعني فملأ ثيابي ماءً وطيناً قال: فقلت: يا أبا معمر ليس هذا في الكتاب قال الهيثم بن عديّ: كنت قائماً إلى جنب حُمَيد بن قَحطَبة وهو على برذون فتفاجّ البِرذونُ ليبول فقال لي: تنحَّ لا يُهرِقْ عليك البِرذَونُ الماء وجاء رجلٌ إلي محمد بن حرب الهلاليّ بقومٍ فقال: إنَّ هؤلاء الفسّاقَ ما زالوا في مَسيس هذه الفاجرة قال: ما ظننت أنّه بلغ من حُرمة الفواجر ما ينبغي أن يُكْنَى عن الفجور بهنّ وقلت لرجل مِنَ الحُسّاب: كيف صار البِرذون المتحصِّن على البغلة أحرصَ منه على الرَّمَكة والرَّمكة أشكل بطبعه قال: بلَغني أنّ البغلةَ أطيَبُ حلوة وقال صديقٌ لنا: بعَث رجلٌ وكيلَه إلى رجلٍ من الوجوه يقتضيه مالاً له عليه فرجع إليه مضروباً فقال: ما لك ويلك قال: سبّك فسببتُه فضرَبني قال: وبأيّ شيء سَبنّي قال: قال: هَنُ الحمار في حِرِ أمّ مَن أرسَلك قال: دعني من افترائه عليّ أَنت كيف جعلتَ لأير الحمار من الحُرْمة ما لم تجعلْه لحرِ أمّي فهلاّ قلت: أير الحمار في هَن أمّ مَن أرسلك أبو الحسن قال: كان رجلٌ من ولد عبد الرحمن بن سَمُرة أراد الوثوبَ بالشام فحُمِل إلى المهديّ فخلّى سبيلَه وأكرمَه وقرّبَ مجلسَه فقال له يوماً: أنشِدْني قصيدةَ زهير التي على لِمَن الدِّيارُ بِقُنّةِ الحِجْر أقوَيْنَ من حِجَجٍ ومن شَهْرِ فأنشده فقال المهدي: ذهب واللّه من يقولُ مثل هذا قال السَّمُريّ: وذَهَب واللَّهِ مَن يقال فيه مثل هذا فغِضب المهديُّ واستجهلَه ونَحّاه ولم يعاقبْه واستحمقَه الناس ولما دخل خالد بن طَلِيقِ على المهديّ مع خصومه أنشد قولَ شاعرهم: من الوافر إذا القرشيُّ لم يَضرِب بعرق خزاعيّ فليس من الصميمِ فضب المهديّ وقال: أحمق فأنشد خالد فقال: من الطويل إذا كنتَ في دارٍ فحاولت رِحْلةً فدَعْها وفيها إن أردتَ مَعَادُ فسكن عند ذلك المهديُّ وقال بشَّار: من الطويل خليليَّ إنَّ العُسرَ سوف يفيقُ وإنّ يساراً من غدٍ لخليقُ وما كنتُ إلاّ كالزّمانِ إذا صحا صحوتُ وإن ماقَ الزّمان أموقُ قالوا: ومن النّوكى: أبو الرّبيع العامريّ واسمهُ عبد اللَّه وكان وَلِيَ بعض منابر اليمامة وفيه يقول الشاعر: من الطويل شهدتُ بأنَّ اللَّه حقٌّ لقاؤه وأنَّ الرَّبيعَ العامريّ رَقيعُ أقاد لنا كلباً بكلب ولم يَدَعْ دماءَ كلابِ المسلمين تَضيعُ قالوا: ومن النّوكى: ربيعةُ بن عِسْلٍ أحد بن عمرو بن يربوع وأخوه صَبِيغ ابن عِسْل وفد ربيعةُ على معاوية فقال له معاوية: ما حاجتُك قال: زوِّجْني ابنَتك قال: اسقُوا ابن عِسْلٍ عَسَلاً فأعاد عليه فأعاد عليه العَسَل ثلاثاً فتركه وقد كاد يَنقدُّ بطنه قال: فاستعمِلْني على خراسان قال: زيادٌ أعلَمُ بثُغوره قال: فاستعمِلني على شرطة البَصرة قال: زيادٌ أعلم بشُرْطته قال: فاكسُني قطيفةً أو قال: هَبْ لي مائةَ جِذْعٍ لداري قال: وأين دارك قال: بالبصرة قال: كم ذَرعُها قال: فرسخان في فرسخين قال: فدارك في البصرة أو البصرة في دارك قال عَوَانة: استعمل معاويةُ رجلاً من كلبٍ فذكر يوماً المجوس وعنده الناس فقال: لَعَنَ اللَّه المجوسَ يَنكُِحون أمُّهاتِهم واللَّه لو أُعطِيتُ مائة ألفِ درهمٍ ما نكحتُ أُمِّي بلغ ذلك معاويةَ فقال: قاتله اللَّه أتُرَوْنَه لو زادوه على مائة ألفٍ فَعَل فعَزَله أبو الحسن: وفد ربيعة بن عِسْل على معاوية - وهو من بني عمرو بن يربوع - فقال لمعاوية: أعنّي بعشرة آلاف جذعٍ في بناء داري بالبصرة فقال له معاوية: كم دارك قال: فرسخان في فرسخين قال معاوية: هي في البصرة أم البصرة فيها قال: بل هي في البصرة قال معاوية: فإن البصرة لا تكون هذا وقال أبو الأحوص الرياحيّ: من الطويل فكيف بنوكَى مالك إن كفرتمُ لهمْ هذه أم كيف بعدُ خطابُها مشائيم ليسوا مصلحين عشيرةً ولا ناعبٍ إ لاّ بِبَينٍ غُرابُها الهيثم عن الضّحاك بن زمْلٍ قال بينا معاوية بن مرْوانَ واقفٌ بدمشق ينتظر عبد الملك على باب طحّانٍ وحمار له يدور بالرَّحى وفي عنقه جُلجل إذ قال للطحّان: لِمَ جعلت في عنق هذا الحمارِ هذا الجلجل قال: ربَّما أدركتْني سآمةٌ أو نَعسْة فإذا لم أسمَعْ صوت الجُلجلِ علمتُ أنه قد قام فصحت به قال معاوية: أفرأيت إن قامَ ثم قال برأسه هكذا وهكذا - وجعل يحرّك رأسه يمنةً ويسرة - ما يُدْريك أنت أنّه قائم فقال الطحَّان: ومَن لي بحمارٍ يَعْقِلُ مثلَ عَقْل الأمير ومعاوية بن مروان هذا هو الذي قال لأبي امرأته: ملأَتْنا ابنتك البارحة بالدَّم قال: إنّها من نسوةٍ يَخْبَأْنَ ذلك لأزواجهنَّ وصعد يوسفُ بنُ عمرَ المِنبر فحمد اللَّه وأثنى عليه ثم قال: قد قَتل اللَّه زيداً ونَصْرَ بن سيَّار - يريد نصر بن خُزيمة وقال علي الأُسواريّ: عمر بن الخطّاب معلَّقٌ بشعرةٍ قلت: وما صيَّرهُ إلى ذلك قال: لِمَا صَنَع بنصر بن سيَّار - يريد نصر بن الحجَّاج بن عِلاط وقالوا: أحبَّ الرشيد أن ينظر إلى أبي شُعيبٍ القَلاّل كيف يعمل القِلال فأدخلوه القصرَ وأتوه بكلّ ما يحتاج إليه من آلة ِالعمل فبينا هو يعمل إذا هو بالرشيد قائمٌ فوقَ رأسه فلما رآه نهضَ قائماً فقال له الرشيد: دُونَك ما دُعيتَ له فإنِّي لم آتِكَ لتقُوم إليّ وإنما أتيتُك لتعمَلَ بين يديَّ قال: وأنا لم آتكَ ليَسُوءَ أدبي وإنما أتيتك لأزداد بك في كثرة صوابي قال له الرَّشيد: إنما تعرّضْتَ لي حين كسدت صنعتك فقال أبو شُعيب: يا سيِّد الناس وما كساد عملي في جَلاَلِ وجهك فضحك الرّشيد حتّى غطَّى وجهَه ثم قال: واللَّهِ ما رأيتُ أنطَقَ منه أوَّلاً ولا أعيا منه آخِراً ينبغي لهذا أن يكون أعقل الناس أو أجنَّ الناس عِبد اللَّه بن شدّاد قال: أرى داعيَ الموت لا يُقلع وأرى مَن مضى لا يرجع ومَن بقِيَ فإليه ينزِع لا تَزهدَنَّ في معروف فإنَّ الدَّهرَ ذو صروف فكم من راغب قدكان مرغوباً إليه وطالب قد كان مطلوباً ما لديه والزّمانُ ذو ألوان ومَن يصحب الزّمانَ يرى الهوان الفَرج بن فَضَالةَ عن يحيى بن سعيد عن محمد بن علي عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا فعلَتْ أمّتي خمْس عشَرَةَ خَصْلةً حَلّ بها البلاء: إذا أكلوا الأموال دُوَلاً واتَّخَذُوا الأمانة مَغٌنَماً والزَّكاة مَغرَماً وأطاع الرجل زوجته وعقَّ أُمَّه وبرَّ صديقَه وجفَا أخاه وارتفعت الأصواتُ في المساجد وأُكرِمَ الرَّجُل مخافةَ سرّه وكان زعيمَ القوم أرذلُهم وإذا لُبِسَ الحريرُ وشُربت الخمور واتَّخِذت القِيانُ والمَعازف ولعن آخرُ هذه الأمّةِ أوَّلَها فليترقَّبُوا بعد ذلك ثلاَث خِصَالٍ: ريحاً حمرَاء ومَسْخاً وخَسْفاً الهيثم قال أخبرنا الكلبيُّ قال: كانت قريشٌ تعُدُّ أهلَ الجزالة في الرأي العباسَ ابن عبد المطَّلب وأبا سفيان ونُبَيهاً وأميَّة بن خَلَف قال: وقال ابنُ عبَّاس: لم يكن في العرب أمردُ ولا أشيب أشدَّ عقلاً من السائب ابن الأقرع قال: وحدثَّني الشّعبيُّ أنّ السائب شهد فتح مِهْرجان قَذَقَ ودخل منزلَ الهرمُزان وفي داره ألفُ بيت فطاف فيه فإذا ظبيٌ من جِصّ في بيتٍ منها مادٌّ يدَه فقال: أقسم باللَّه إنّ هذا الظَّبيَ يُشِيرُ إلى شيءٍ انظروا فنظروا فاستخرجُوا سَفَط كَنْزِ الهُرمُزان فإذا فيه ياقوتٌ زبرجد فكتب فيه السائب إلى عُمَر وأخذ منه فَصّاً أخضَرَ وكتب إلى عمر: إنْ رأى أميرُ المؤمنين أن يَهَبَه لي فليفعَلْ فلما عرض عمر السّفَط على الهُرمُزان قال: فأين الفصُّ الصغير قال: سألَنِيهِ صاحبُنا فوهبتُه له قال: إنَّ صاحبك بالجوهرِ لَعالِم قال: أخبرنا مُجالد عن الشعبي قال: قال السائب لجَمِيل بن بَصْبَهَرَّى: أخبرني عن مكان من القُرَيّة لا يَخْرب حتَّى أستقطعَ ذلك المكان قال: ما بينَ الماء إلى دار الإمارة قال: فاختطّ لثقيفٍ في ذلك الموضع قال الهيثم: بِتُّ عندهم ليلةً فإذا ليلُهُم مثلُ النّهار أبو الحسن قال: قال عبد الرحمن بن خالد بن الوليد بن المُغيرة لمعاوية: أما واللَّه لو كُنَّا على السَّوَاء بمكَّة لعلمت قال معاوية: إذاً كنتُ أكون معاويةَ بن أبي سفيان منزلي الأبطحُ ينشقُّ عنِّي سيلُه وكنت أنت عبدَ الرحمن بن خالد منزلُك أجيادٌ أعلاه مَدَرَة وأسفله عَذِرَةٌ قال سُهيل بن عمروٍ: أشبه امرؤٌ بعضَ بَزّه فصار مثلاً وقال مُحْرِز بن علقمة: لقد وارى المقابرُ من شَريكٍ كثِيرَ تحلّمٍ وقليلَ عابِ صموتاً في المجالس غير عَيّ جديراً حين ينطق بالصَّوابِ وقال ابن الرِّقاع: من الكامل أممٌ تداخلت الحتُوفُ عليهمُ أبوابَهُمْ فكشَفْن كلَّ غِطاءِ فإذا الذي في حصنِهِ متحرّزٌ منهم كآخر مُصْحِرٍ بفَضاء والمرءُ يورث مَجدَه أبنَاءَهُ ويموت آخرُ وهو في الأحياءِ والقوم أشباهٌ وبين حلومهم بَونٌ كذاك تفاضُلُ الأشياءِ وقال بعضهم: من الكامل بيضاء ناصعة البياض كأنها قمرٌ تَوَسَّطَ جُنْحَ ليلٍ مُبْرِدِ موسومةٌ بالحسن ذاتُ حواسدٍ إنّ الحِسَانَ مَظِنَّةٌ للحُسَّد وترى مآقيها تُقلِّبُ مُقلَةً حوراءَ ترغب عن سواد الإثمدِ لسانُك خيرٌ وحدَه من قبيلة وما عُدَّ بَعْدُ في الفتَى أنتَ فاعِلُه سِوى طَبَعِ الأخلاقِ والفُحْشِ والخَنَا أبتْ ذاكُمُ أخلاقهُ وشمائلُه وقال الآخر: من البسيط على امرئٍ هَدَّ عَرشَ الحيّ مَصرعُه كأنَّه مِن ذَوي الأحلامِ من عادِ وقال النابغة: من البسيط أحلامُ عادٍ وأجسادٌ مطهَّرةٌ من المَعَقَّةِ والآفات والأُثُمِ وقالت الخنساء: من البسيط خَطَّابُ مُعْضِلةٍ فرَّاجُ مُظلمةٍ إنْ جاء مفظعةً هيَّا لها بابا وعدَّد الأصمعيُّ خصال مَعَدٍّ فقال: من السريع كانوا أديماً ماعِزاً شاتُه أخلَصَ فيه القَرظَ الآهِبُ أو مُرْقِئٌ عِرقَ دمٍ مُفْرَجٍ أو سائلٌ في لزْبةٍ زاعِبُ أو ذمَّةٌ يوفى بها عاقدٌ أو عُقدةٌ يُحكمُها آرِبُ أو خابطٌ من غِير لا نِعمْةٍ أو رَحمٍ مَتَّ بها جانبُ وأنت كساقطٍ بين الحشايا يَصيرُ إلى الخبيثِ من المَصيرِ ومثلُ نعامةٍ تُدْعَى بعيراً تَعاظُمِها إذا ما قيلَ طِيرِي وإنْ قيلَ احمِلي قالتْ فإنِّي مِنَ الطَّيرِ المُرِبَّةِ بالوُكورِ وكنتَ لدى المُغيرةِ عَيْرَ سَوءٍ يبول من المخافة للزّئيرِ لأعلاجٍ ثمانيةٍ وشيخٍ كبيرِ السِّنِّ ذي بصرٍ ضَريرِ تقول لِما أصابَكَ: أطعموني شراباً ثم بُلْتَ على السَّريرِ وقال عبد يغوث: من الطويل ألا لا تَلومانِي كفَى اللّومَ مابيَا فما لكما في اللّوْم خيرٌ ولا ليَا ألم تَعلما أنّ المَلاَمَةَ نفعُها قليلٌ وما لومي أخي من شِماليا فيا راكباً إمّا عَرضْتَ فبلِّغَن ندامايَ من نَجْرانَ أن لاتَلاَقيا أبا كربٍ والأَيْهَمَينِ كليهما وقيساً بأعلى حَضْرَمَوْتَ اليمانيا جزى اللّه قومي بالكُلابِ مَلامةً صريحَهُمُ والآخرينَ المواليا قال أبو عثمان: وليس في الأرض أعجبُ من طرفَةَ بنِ العبد وعبد يغوث وذلك أنَّا إذا قسنا جودةَ أشعارهما في وقت إحاطة الموت بهما لم تكن دون سائر أشعارهما في حال الأمْن والرّفاهيَة أبو عبيدةَ قال: حدثني أبو عبد اللَّه الفَزاريّ عن مالك بن دينار قال: ما رأيت أحداً أبيَنَ من الحجّاج إنْ كان لَيرَقى المِنبر فيذكُرُ إحسانَه إلى أهل العراق وصَفحَه عنهم وإساءتهم إليه حتَّى أقولَ في نفسي: إنِّي لأحسبه صادقاً وإني لأظنّهم ظالمين له قال: وكانت العرب تخطُب على رواحلها وكذلك روَى النبيُّ صلى الله عليه وسلم عن قُسّ بن ساعِدة قال: وأخبرني عبدُ الرحمن بن مهديّ عن مالك بن أنس قال: الوقوف على ظهر الدّوابِّ بعرفةَ سنّة والقيام على الأقدام رُخْصة وجاء في الأثر: لا تجعلوا ظُهورَ دوابِّكم مجالس ووقف الهيثم بن مُطهّر الفأفاء على ظهر دابَّته على باب الخَيزُران ينتظر بعضَ من يخرج من عندها فلمّا طال وقوفُه بعث إليه عُمَرُ الكَلْواذيّ فقال له: انزلْ عن ظهر دابّتك فلم يَرُدَّ عليه شيئاً فكرّ الرّسولُ إليه فقال: إني رجلٌ أعرج وإن خرج صاحبي من عند الخيزُران في مَوكِبه خِفتُ ألاّ أدركَه فبعث إليه: إنْ لم تَنزل أنزْلناك فبعث إليه قال: هوَ حبْسٌ في سبيل اللَّه إن أنزلتَني عنه إنْ أقضمتهُ شهراً فانظر أيُّما خيرٌ له أراحةُ ساعة أم جوع شهر قالوا له: هذا وقال أبو علقمة النحوي: يا آسي إني رجعت إلى المنزل وأنا سنِقٌ لَقِسٌ فأُتِيت بشِنْشنةٍ من لِوَيَّةٍ ولكيك وقِطَع أَقْرنَ قد غَدَرْنَ هناك من سَمْن ورُقَاقٍ شِرشِصان وسَقيط عُطْعُط ثم تناولت عليها كأساً قال له الطبيب: خُذْ خَرْفَقاً وَسَفْلَقاً وجَرْفَقاً قال: ويْلَكَ أيُّ شيء قال: وأي شيءٍ ما قلت قال الزِّبرِقان: أحبُّ صبيانِنا إليَّ: العريض الورِك السَّبِط الغُرَّة الطويل الغُرلةِ الأبله العَقُول وأبغضُ صِبْياننا إليَّ: الأقيعِس الذَّكَر الذي كأنما ينظر من جُحْر وإذا سأله القوم عن أبيه هَرَّ في وجوههم قال الهيثم: قال الأشعث: إذا كان الغلام سأل الغُرَّة طويل الغُرْلةِ ملتاث الإزْرَةِ كأنَّ به لُوثَة فما يُشَكّ في سُؤدُدِه قال أبو المِخَشّ: كان المخشُّ أشدق خُرطُمَانيّاً سائلاً لعابه كأنّما ينظر من قَلْتَين كأنّ تَرْقُوَتَه بُوانٌ أو خالِفَةٌ وكأنّ كاهِلهُ كِرْكِرةُ جمل فقأ اللَّه عينيّ إنْ كنتُ رأيتُ قبلَه ولا بعدَه مثله قال: وكان زيادٌ حَوَّل المنبرَ وبيوتَ المال والدّواوين إلى الأزد وصلى بهم وخطب في مسجد الحُدّان فقال عَمْرُو بن العرندس: من الطويل فأصبح في الحُدّانِ يخطُبُ آمناً وللأزد عزٌّ لا يزالُ تِلادُ وقال الأعرج: من الوافر فكيف نُجيز غُصَّتَنَا بشيء ونحن نَغَصُّ بالماء الشّريبِ وقال أيضاً: من الطويلِ والقائلين فلا يُعَابُ خطيبُهم يومَ المَقامَةِ بالكلام الفاصلِ وقال ابن مُفَرِّغ: ومتى تقمْ يوم اجتماع عشيرة خُطباؤُنا بين العشيرة تَفْصِلِ وقال أيضاً: من الطويل فيا رُبَّ خَصم قد كُفِيتُ دِفَاعَهُ وقوّمْتُ منه دَرْأَهُ فتنكّبا وقال آخر: من الوافر وحامِلِ ضَبِّ ضِغنٍ لم يَضِرْني بعيدٍ قلبُه حُلو اللّسان ولو أني أشاءُ نَقَمتُ منه بشَغْبٍ من لسانٍ تَيَّحانِ وقال: من الطويل عهدتُ بها هِنْداً وهندٌ غَريرةٌ عن الفُحْشِ بلهاءُ العِشَاء نؤومُ ردَاح الضّحى ميَّالةٌ بَخْتَرِيَّةٌ لها منطقٌ يُصبي الحليمَ رخيمُ وقال: من الوافر وملمومٍ جوانُبها رَدَاحٍ تُزجَّى بالرماح لها شُعَاعُ وقال مُحَلِّمٌ بن فِراسٍ يرثي منْصوراً وهَمَّاماً ابنَي المِسْجَاح: من البسيط كم فيهمُ لو تملَّينا حياتَهمُ من فارسٍ يومَ رَوْعِ الحَيِّ مِقْدَامِ ومن فَتىً يملأُ الشِّيزَى مَكلَّلةً شحمَ السَّديفِ نديِّ الحمدِ مِطْعام ومن خطيبٍ غَدَاةَ الحفلِ مُرْتَجِلٍ ثَبْتِ المَقام أريبٍ غير مفحامِ وقال خالدٌ للقعقاع: أُنافرك على أيُّنا أطعنُ بالرِّماح وأطعمُ للسِّحاح وأنزَلُ بالبَراح قال: لا بل عن أيّنا أفضلُ أباً وجَدّاً وعمّاً وقديماً وحديثاً قال خالد: أعطيتُ يوماً مَن سأل وأطعمتُ حولاً مَن أكل وطَعنتُ فارساً طعنة شككت فخذَيه بجنب الفرس قال القعقاع وأخرج نَعلين فقال: رَبَع عليهما أبي أربعين مِرباعاً لم تثكل فيهنّ تميميّة ولداً كان مالك بن الأخطل التغلبي - وبه كان يكنى - أتى العراق وسمع شعر جرير والفرزدق فلمّا قَدِمَ على أبيه سأله عن شِعرهما فقال: وجدت جريراً يغرف من بحر ووجدت الفرزدق ينحت من صخر فقال الأخطل: الذي يَغرِف من بحرٍ أشعرهُما وقال بعضهم: من الطويل وما خيرُ مَن لا ينفع الأهلَ عَيشُه وإن ماتَ لم تجزع عليه أقاربه كَهامٌ على الأقصَى كليلٌ لسانُه وفي بَشَر الأدنى حِدادٌ مخالبُه إذا مَشَى لكلّ قِرنٍ مُقْرِنِ ثم مشى القِرن له كالأرْعَنِ بصارمٍ يفري صفيحَ الجوشَن مُقرطَنٌ زافَ إلى مُقَرطَنِ يُفضي إلى أمّ الفِراخ الكُمَّنِ حيث تقول الهامةُ: اسقِني اسقِني كم لأبي محمدٍ من مَوطنِ وقال العُمَانيّ: من الرجز ومِقوَلٍ نِعْمَ لِزازُ الخصمِ ألدَّ يشتقُّ لأهل العلْم بباطل يدحَضُ حقَّ الخَصْمِ حتى يصيروا كسَحاب البُكَمِ وقال أبو عبيدٍ في حديث علي بن أبي طالب رضي اللَّه عنه حين رأى فلاناً يخطب فقال: هذا الخطيب الشَّحْشَح قال: هو الماهر الماضي وقال الطِرمَّاح: من الطويل كأنّ المطايا ليلةَ الخِمس عُلِّقَتْ بوثّابَة تَنّضو الرّواسم شَحْشَحِ وقال ذو الرمة: من الطويل لدُنْ غُدوةٍ حتى إذا امتدّت الضُّحى وحَثَّ القطينَ الشَّحشحانُ المكلَّفُ يعني الحاديَ قال: وكان أسدُ بن كُرْزٍ يقال له خطيب الشَّيطان فلما استعمِل خالدٌ ابنه على العراق قيل له: خطيب اللَّه فجَرَتْ إلى اليوم وقال أبو المُثلّم الهُذَليّ: من الطويل وقال بلعاء بن قيس: من الطويل أبَيتُ لنفسي الخسفَ لما رَضُوا به وولّيتُهم سَمْعي وما كنتُ مُفحَمَا وقال عبد اللَّه بن مصعب: وقف معاوية على امرأة من كنانة فقال لها هل من قِرىً قالت: نعم قال: وما قِرَاك قالت: عندي خبزٌ خميرٌ ولبن فطيرٌ وماء نميرٌ وقال أحيحةُ: مجزوء الرجز والصَّمت خيرٌ للفتى ما لم يكن عِيٌّ يَشينُه والقول ذو خطَلٍ إذا ما لم يكن لُبٌّ يُعينه وقال أبو ثمامة الضَّبّي: من الطويل ومنا حصينٌ كان في كل خطبةٍ يقولُ ألا من ناطقٍ متكلّمِ وقال عُبيدُ بن أميَّة الضبيّ واستبّ هو والحارث بن بَيْبَة المُجاشعي عند النُّعمان فقال: من الرجز تُرى بيوتٌ وتُرى رماحُ ونَعَمٌ مزنّم سُحاحُ ومنطقٌ ليس له نجاحُ يا قَصَباً طار به الرّياحُ وأذرعاً ليست لها ألواحُ وبعض القول ليس له حصاةٌ كمَخْضِ الماء ليس له إتاءُ وهذا شبيه بقوله: من الطويل كُسالَى إذا لاقيتُهم غيرَ منطقٍ يُلهَّى به المتبول وهو عَنَاءُ وقال أبو ثُمامة: من المتقارب أخاصمُهم مَرَّةً قائماً وأجثو إذا ما جَثَوْا للرُّكَب إذا منطق قاله صاحبي تعقّبت آخرَ ذا مُعتقَبْ وقال الشمَّاخ: من الطويل ومَرتبةٍ لا تُستطاع بها الرَّدى تركتُ بها الشّكّ الذي هو عاجزُ ويروى: من الطويل تلافىَ بها حلمي عن الجهل حاجزُ
|